الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.الخبر عن مهلك السلطان أبي حفص وعهده بالأمر من بعده. .الخبر عن دولة السلطان أبي عصيدة وما كان على أثرها من الأحوال. وكان من خبر ابن الدباغ هذا أن إبراهيم أباه وفد على تونس في جالية أشبيلية سنة ست وأربعين وستمائة فولد هو بتونس ونشأ بها وأفاد صناعة الديوان وحسباته من المبرزين كان فيه أبي الحسن وأبي الحكم ابني مجاهد وأصهر إليهما في ابنة أبي الحسن فأنكحاه ورشحاه للأمانة على ديوان الأعمال ولما استقل أبو عبد الله الفازازي بالرياسة استكتبه وكان طياشا مستعصيا على الخليفة فكان كاتبه محمد بن الدباغ يروضه لأغراض الخليفة إذا دسها إليه الحاجب ابن الشيخ فيقع ذلك من الخليفة أحسن الموقع ولما ولي السلطان أبو عصيدة وكانت له عنوة سابقة رعاها وكان حاجبه الشخشي بهمة غفلا عن أدوات الكتاب فاستكتب السلطان ابن الدباغ ثم رقاه إلى كتابة علامته سنة خمس وتسعين وستمائة وكان يتصرف فيها فأصبح رديفا للشخشي في حجابته وجرت أمور الدولة على ذلك إلى أن هلك الشخشي سنة تسع وتسعين وستمائة فقلده السلطان حجابته فاستقل بها على ما قدمناه من أن التدبير والحرب مصروف إلى مشيخة الموحدين. .الخبر عن نكبة عبد الحق بن سليمان وخبر بنيه من بعده. وأما محمد فأبعد المفر ولحق بالمغرب الأقصى ونزل على يوسف بن يعقوب سلطان بني مرين بمعسكره من حصار تلمسان فاستبلغ في تكريمه وأقام عنده مدة ثم عاود وطنه ونزل عن طريقه إلى النسك ولبس الصوف وصحب الصالحين وقضى فريضة الحج وامتد عمره وحسنت فيه ظنون الكافة واعتقدوا فيه وفي دعائه وكثرت غاشيته لالتماس البركة منه وأوجب الخلفاء أزاء ذلك تجلة أخرى وأوفدوه على ملوك زناتة مرة بعد مرة في مذاهب الود وقصود الخير وحضر في بعض الجهاد بجبل الفتح عندما نازلته عساكر السلطان أبي الحسن ولم يزل هذا دأبه إلى أن هلك في الطاعون الجارف في منتصف المائة الثامنة والله تعالى أعلم. .الخبر عن مراسلة يوسف بن يعقوب سلطان بني مرين ومهاداته. ولما ضايق عمل بجاية بغزوه أعمل الأمير أبو زكريا نظره في تسكين الناحية الغربية ليتفرغ عنها إلى مدافعة السلطان صاحب الحضرة فوصل يده بعثمان بن يغمراسن وأكد معه قديم الصهر بحادث الود والمواصلة وفي خلال ذلك زحف يوسف بن يعقوب سلطان بني مرين إلى تلمسان وألقى عليها بكلكله واستجاش عثمان بن يغمراسن بالأمير أبي زكريا فأمده بعسكر من الموحدين لقيهم عسكر من بني مرين بناحية تدلس فهزموهم وأثخنوا فيهم قتلا ورجع فلهم إلى بجاية وسرح يوسف بن يعقوب عساكر بني مرين إلى بجاية وعقد عليها لأخيه أبي يحيى بعد أن كان عثمان بن سباع وفد عليها نازعا عن صاحب بجاية إليه ومرغبا له في ملكها فأوسع له في الحباء والكرامة ما شاء وبعث معه هذا العسكر فانتهوا إلى بجاية وضايقوها ثم جاوزوها إلى تاكرارت وبلاد سدويكش وعاثوا في تلك الجهات ودوخوها وانقلبوا راجعين إلى السلطان يوسف بن يعقوب بمعسكره من تلمسان. وكان السلطان أبي عصيدة صاحب الحضرة لما علم بإمداد الأمير أبي زكريا لعثمان بن يغمراسن بعث إلى يوسف بن يعقوب عدوهم وحرضه على بجاية ونواحيها وسفر له في ذلك رئيس الموحدين أبا عبد الله بن الكجار أولى سفارته ثم سفر ثانية سنة ثلاث وسبعمائة بهدية ضخمة فأغرب فيها بسرج وسيف ومهماز من الذهب من صنعة الحلي الفاخر من حصى الياقوت والجوهر ورافقه في هذه السفارة الثانية وزير الدولة أبو عبد الله بن يرزيكن ورجعا بهدية ضخمة من يوسف بن يعقوب كان من جملتها ثلثمائة من البغال واتصلت المخاطبات والسفارات والهدايا والملاطفات وكان يوسف بن يعقوب يكاتب السلطان في تلك الشؤون تعريضا ويكاتب رئيس الموحدين أبا يحيى اللحياني وتردد عساكر بني مرين إلى نواحي بجاية إلى أن هلك يوسف بن يعقوب كما يأتي في أخباره إن شاء الله تعالى.
|